الخلافات العائلية وأثرها على الشركات العائلية
0
كما هو معروف فإن الأسرة هي النواة الحقيقة للمجتمع, فالشركات العائلية هي أيضاً النواة الحقيقة للإقتصاد وتعتبر أحد أهم الركائز للإقتصاد القومي خصوصاً لدينا في مجتمع الخليج. لذلك فإن أي خلاف ينشأ في الأسرة قد يزعزع إستقرار الشركة. وسبق أن عرضت عليكم أمثلة سابقة في مقال العائلة الفاشلة ومقال شركة عائلية في أزمة. لذلك ينبغي لجميع أفراد العائلة أن يكونوا على إطلاع ومعرفة تامة بما يدور في الشركة, فإن الخلافات عادة يكون لها سببين لا ثالث لهما:
اولاً: الخلاف الفكري:
لاتقبل الأطراف المتنازعة الحلول البديلة مطلقاً, بل تجد الجميع مُتمسك برأية وقد يلجأ الأطراف المتنازعة للخداع والطرق الملتوية للوصول الى مآربها.
ثانياً: الخلاف المادي:
أقل ضرراً من الخلاف الفكري, إذ يمكن حل هذا الخلاف بتعويض مادي للإطراف المتنازعة, ودائماً العائلات السوية تضع المادة في المرتبة الثانية فصلة الأرحام والأخلاق الفاضلة تأتي أولاً.
ولكن مايهمني هنا أن ابدأ شركة عائلية تنأ وتبتعد بنفسها عن اي طريق للخلاف مستقبلاً, ولعمل ذلك يجب أن نتوقع كل خلاف قد يطرأ في المستقبل وأعمل على تلافيه قبل حتى تأسيس هذه الشركة. فالموضوع ليس سهلاً فهو يتطلب الكثير من القراءة ومراجعه التاريخ القريب والبعيد, ومن ثم قراءة الدراسات النفسية وعلم الإجتماع بالاضافة الى فن الإدارة. وبعد ان تعمقت في كل تلك العلوم لخصتها بالنقاط التالية:
الوالد (الجيل الأول): للوالد مسؤلية عظيمة في تنشئة أبناء متحابين, فالاختلاف وارد في الميول والطباع والشخصيات, لكن حكمة الوالد وحسن إداراتة في غرس مبادئ المحبة والوفاق لها دور سحري في التربية. وقبل ذلك مبادئ الصدق والآمانه وهي ممتدة من ديننا الإسلامي. فينبغي على الوالد يعامل ابناءة بعدل وأن يشاركهم إتخاذ القرارت وأن يدربهم ويعلمهم من خبرتة الطويلة في مجال الشركة. وهناك العديد من الطرق التي تضمن ذلك ولكن لن أطيل كثيراً في هذه النقطة لانها ليست مجال بحثي الحالي.
الابناء (الجيل الثاني): كما ان للرعيل الأول وأعني الوالد تحديداً الفضل بعد الله للوصول لما وصلت إلية الشركة, فالأبناء يقع على عاتقهم ليس فقط الحفاظ على الثروة وإنجازات الشركة بل يجب عليهم تنمية الشركة. والإنطلاق بها لعالم الربح والكسب الحلال وان يبتعدوا عن الشبهات التي قد تؤدي الى مصائب وكوارث على العائلة جميعاً. وهنا سوف أدخل ببعض النصائح والتفاصيل لان خطر الجيل الثاني أكبر من اخطار الجيل الاول: وهذه النصائح كالتالي:
1- الإبتعاد عن الغرور: يجب على الأبناء ان يبتعدوا عن الغرور مطلقاً فنتائجة قاتلة, وللأسف الكثير من قادة الشركات تأخذهم الحياة الدنيا ويغتر ببريق السلطة وتعمي بصره وبصيرتة. ويبدأ الاستبداد بقرارته لوحدة ويبدأ الخلاف بينة وبين باقي العائلة. وذلك لأنه نسي انة ليس الا موظفاً في هذه الشركة وأنها ملك للجميع.
2- الصراع على العرش: هذه أعظم كارثة قد تؤدي الى انهيار الشركة, ولكن النقاش فيها منطقي لأن اي شركة عائلية كانت ام غير عائيلة بحاجة الى قائد. والأسئلة كثيرة ولعل أهمها من سيرث العرش؟ من سيصبح الرئيس التنفيذي بعد الوالد؟ هل سيكون الإبن الأكبر بحكم الدم والجينات أم العضو المنتدب بحكم الخبرات؟ أسئلة تدور في أذهان جميع أصحاب الشركات العائلية. ومع الأسف لاتوجد إجابة شافية لذلك قمت بالبحث في هذا المجال مطولاً من القائد التالي الذي سوف يساهم في إدارة هذه الشركة. أعتقد افضل حل لهذه المعضلة ان يكون الأصلح وليس الأملح. وأعني بذلك يجب ان تسن قوانين لذلك في حوكمة الشركة العائلية. وهذه القوانين قد تختلف من نشاط الى آخر وقد تكون كالعمر والمنزلة العلمية والخبرة العملية وغيرها من الشروط.
لعل ماتحدثت عنه سابقاً هو مجرد أفكار قبل تأسيس الشركة. ولكن الخلافات قد تكون خلال تأسيس الشركة أو حتى بعد تأسيسيها, لذلك ينبغي لجميع العائلة ان يكونوا على إطلاع مستمر على حصصهم في الشركة وعلى القوائم المالية والارباح او حتى الخسائر. فالفطنة والحذر مطلوب.
وهنا سوف ضع بعض اجراس الخطر التي ينبغي للعائلة الوقوف عندها اذا لاحطوا أحد هذه الأخطار:
1- تغير السلوكيات والمواقف: مثال على ذلك كأن يتغير موقف أحد افراد العائلة تجاه العائلة, أو تغير موقف أحد أفراد العائلة حيال مشاريع الشركة.
2-الشعور بالظلم وضياع الحقوق: في إعتقادي يجب أن يملك جميع أفراد العائلة الشجاعة لقول ذلك علناً ختى لايتم أحتقان هذا الشعور داخل الأنفس.
3- انقطاع قنوات التواصل: أن عدم التواصل يؤدي لبرود المشاعر وتحطيم أواصر الود والمودة.
4- كثرة ارتكاب الأخطاء: أبسط مثال على ذلك هو تقديم كشف حساب مالي يحوي أخطاء كثيرة أو معلومات مغلوطة.
5- التسويف: أن التسويف والتأخير مصيبة, فتأجيل الأوليات والمهمات الحيوية يأجج الصراعات
6- الفشل: الفشل في مشروع ماء وارد ولكن تكرار الفشل يؤدي لمشاكل كبيرة. ومن وجهه نظري أكبر فشل يكون عندما لايتفق جميع افراد العائله على قرار موحد.
7- عدم وضوح الأهداف: أن عدم وضوح الاهداف يؤدي لتشتيت العمل والعمّال كذلك. وقد يشنغل الجميع بالامور التافهه.
8- الصلاحيات: هنا الخطر كبير جداً فإستئثار القلة القليلة بالسلطة, يؤدي الى مشاكل كبيرة وتجاهل العائلة.
9- المحسوبية: حقيقه المحسوبية أمر وارد ولكن يجب على العائلة توظيف أصحاب المؤهلات بغض النظر عن صلة القرابة.
10- النميمة: هذه نشكلة شائعة, ويجب ان تكون هنالك سياسة في الشركة لتمنع هذه العادة السيئة لأنها ايضاً تؤدي الى نشر الاشاعات وتدمر العائلة وثروتها.
11- الاحزاب: كثرة الاحزاب والتكتلات تؤدي لكثرة الصراعات, فينبغي ان يتحد الجميع لغرض الحفاظ على ترابط العائلة.
القائد يجب ان يعرف نفسة قبل ان يعرف الآخرين, ويضبط نفسه, ويعرف المتغيرات المحيطة حولة. ويعلم أن إدارة الصراعات العائلية هي فن, وأن الحقد لايولّد إلا حقداً, وأن الإنتقام سرطان خبيث ينمو ويتكاثر في العائلة ويدمّرها. فربي أني أسألك ان تبعدنا عن كل تدبير يؤدي الى تدمير. وللأسف قليلون هم في عالمنا الحالي الذين يتدخلون في الخير ويصلحوا بين الأطراف المتنازعة, بل بالعكس فالكثير يسعى لزرع هذه الخلافات لمصالحهم الشخصية. فالبشر هي كائنات ناقصة وتصطاد في الماء العكر سعياً ورى الكسب السريع أور بما الإنتقام.
وأخيراً عن تجربة شخصية دعونا ننظر الى ان كل الخلافات العائلية بأنها مدرسة حقيقة فمنها نتعلم ونستفيد. أنا أقصد هنا أن في الخلافات جانب مشرق, فالإختلاف كما يقولون لايفسد للود قضية. والإختلاف هو منبع الأفكار الإبداعية وبه تحل هذه الأفكار الجديدة مكان تلك الأفكار القديمة, والسلوكيات الحميدة مكان تلك السلبية والهدّامة.
فلا تغيير يأتي دون صراع. وصراع الأمس هو شركة الغد. وليس بالضرورة ايضاً ان نجاح هذه الشركة العائلية يعني ان الخلافات انتهت وان القلوب والعقول قد توحدت. بل قد يزيد نجاح هذه الشركة نار الغيرة ويأجج النزاعات والصراعات من جديد. فالتاريخ القديم والحديث أثبت ان المال هو أصل كل شر ومصدر الأطماع والشهوات والخلاف والصراعات. فلقد قال سبحانه وتعالى ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ). وكثير من الآيات والأحاديث الأخرى التي أكدت بأن المال والبنون فتنة وإبتلاء ولكن عزم الأمور والصبر هو سبيل النجاة. فكما أن الخلافات العائلية سريعة التشخيص فإنها أيضاً سريعة الشفاء إذا كان هنالك عقول تُدرك خطر تلك الخلافات.