عائلة فاشلة
2
حقيقة أتتني بعض الرسائل والتي تحمل بين أسطرها بعضاً من الإنتقاد والعتب عندما تحدثت عن تأسيس الشركات العائلية وأوردت بعض الامثلة الناجحة لعوائل معروفة كعائلة الزامل في مقال سابق. كانت طبيعة الإنتقاد حول طرحي للموضوع وتبسيطه للقارئ وان الواقع مختلفاً تماماً, بل طلب مني البعض ان أتحدث عن الشركات العائلية الفاشلة. وأنا هنا أريدُ ان أوّضح وجهه نظري قبل أن انقاد مع هذا الإنتقاد, فلا يخفى عليكم إن النجاح لايحتاج إلى أقدام بل إلى إقدام.
نعم هنالك فساد إداري وفساد مالي في بعض الشركات ولكن لايعني ذلك أن الفكرة اساساً خاطئة. وسوف أعطي أمثلة لعوائل فاشلة أعرفها شخصياً, ولكن دون أن أذكر أسماء هذه العوائل. فلقد واجه الفشل عدد غير قليل من هذه العوائل، حيث فقدت شهرتها وبريقها على الرغم من بداياتها الرائعة. كما حقق البعض الآخر نجاحا خاطفاً انتهى بمرورها بفشل مفاجئ وذلك بسبب انها تحتاج الى الانتقال من الشكل التنظيمي الريادي الى الشكل الاكثر احترافا في ادارتها. دعونا نتفق على بعض المسلمات قبل الدخول في بعض التفاصيل فالله سبحانه وتعالى هو الرّزاق، وقد تكفل برزق الجميع. والرزق أمر مقدر قبل ولادة الإنسان وتقسيم الأرزاق وتفاوت الناس إنما هو قسمة الّرزاق الكريم. لكن الإنفاق وعمل الخير وسيلة لزيادة الرزق ومن أهم الأسباب الشرعية التي تستجلب الرزق والبركة. وأيضاً التوسل الى الله والدعاء عند تأسيس هذه الشركات العائلية. ويأتي بعد ذلك العمل الجاد والطموح والإعتماد على مبدأ الشفافية. بعد هذه المقدمة الطويلة سوف أسرد بعض الأمثلة لعوائل فاشلة وأحلل سبب فشلها من وجهه نظري.
عائلة فلان الفلاني:
توفي والدهم المؤسس الحقيقي والذي أحسبه والله حسيبه من رجال الخير ومن الناس الذين أجتهدوا وعملوا وكونوا رأس مال كبير. تنوعت إستثمارات والدهم في العديد من القطاعات فله في مجال العقارات الكثير من المخططات وفي المجال الزراعي عدة مزراع ومن ضمنها مزرعة دواجن معروفة. ومن وجهه نظري كانت أغلب ثروة العائلة تأتي من مجال السياحه وهذا قد يكون مفاجأة لبعض المحُبطين ومقولتهم السائدة لايوجد سياحة لدينا فهذا الكلام غير صحيح فلقد كان يملك والدهم عدد لا بأس بة من الفنادق والمطاعم المشهورة في أغلب المدن السعودية.
لا استطيع أن اكتب مبلغ تقديري عن املاك العائلة ولكن قد تجاوزت المليار ريال وتجاوز عدد الموظفين الاربعة الآف موظف. كان خبر وفاة والدهم صدمة كبيرة على الجميع (سبق أن تحدثت الاضطرابات التي تحدث بعد الصدمات في مقال سابق) وللأسف لم يُحسن الاولاد إدارة أملاك العائلة بعد وفاة والدهم. وهنا سوف ادخل ببعض التفاصيل قليلاً. بدأت قصة أنهيار وفشل هذه العائلة بعد وفاة والدهم مباشرة فلقد تعرض أحد الأبناء لحادث سير وعليه أصبح عاجزاً عن الحركة. هنا قرر الأخ الاكبر أن يأخذه للعلاج للخارج, فالأخ الأكبر كان في الأساس تحت صدمة وفاة والده والآن شلل أخوه و حالته النفسية أصبحت تحت الصفر. تم السفر على عجاله الى المانيا ومن هنالك لعدة دول بحثاً عن علاج غير موجود من الأساس, وهنالك في بلد الغربة أدمن الإبن الأكبر على المخدرات, فلا أحد يعلم كيف ومتى وربما أنه وقع ضحية للمخدرات. جميع أعضاء العائلة تربيتهم تربية صالحة ولكن حدث ماحدث وبدأ الإبن الأكبر تحويلات مالية كبيرة للخارج والكل يعتقد أنها رسوم للعلاج ولم يكن يدور في خلدِ أي شخص من العائلة أنها رسوم للداء وليس الدواء. في غياب الإبن الأكبر, لم تكن هنالك متابعة لشؤون العائلة ولا حتى متابعة لشركة والدهم. بدأ الموظفون بسرقات صغيرة وتبعها سرقات أكبر, فلا حسيب ولا رقيب وتهاون بعض المستأجرون في تسديد الإيجارات. دخلت الشركة في أسوء اوقاتها فهرب عدد من العماله ولم يتم تجديد البعض الآخر. فُرضت غرامات مالية كبيرة على الشركة ودخلت عالم الفشل والخسارة من أوسع أبوابها.
لكن رب العالمين كان رحيماً بهذه العائلة وربما لأن والدهم صاحب أعمال خير كثيرة ففتح الله عليهم باباً جديداً من الرزق, فتدخل عددٍ من أصدقاء والدهم واستدعوا أصغر الابناء وساعدوه في ضرورة التخلص من بعض الإستثمارات وبيع بعض الأصول في سبيل إنقاذ مابقي من أملاك العائلة. بإختصار تأسيس هذه الشركة تجاوز الستين عاماً وكانت سوف تندثر في عدة أشهر. تم الحجر على الأخ الأكبر وتقرير راتب شهري له يكفي مصاريفة الشخصيه فقط وتحولت الشركة الى شركة عائلية. والآن في طريقها الى استعادة أمجاد والدهم المؤسس ولله الحمد.
لذلك يجب ان نتعلم من الدروس السابقة, ونستفيد من تجارب الآخرين ناجحة كانت أم فاشلة. وسوف اعود للكتابة لاحقاَ حول بداية تأسيس الشركة وكيفية تجاوز العقبات قبل حدوثها.
المراجع
15 مليار مجمدة بسبب مشاكل بعض الشركات العائلية